English (United Kingdom)Arabic(سوريا)
أنت هنا: الرئيسية مشاهير من العائلة الدكتور سامي بن مصباح الدروبي (1921م – 1976م):

الدكتور سامي بن مصباح الدروبي (1921م – 1976م):

إرسال إلى صديق طباعة PDF

قيل أن ميزة سامي الدروبي الأولى أنه كان إنساناً بكل ذرة في وجوده. و كل من عرفه عن قرب رآه لطيف المعشر، ذكياً، دمثاً، جريئاً، رصيناً، و هادئاً. و هو إلى كل ذلك عاش حياة حافلة بالعطاء رغم أنه كان يعاني من آفة قلبية لازمته طيلة حياته و كانت السبب في وفاته و هو في قمة النشاط الفكري. فقد كان الدروبي (رحمه الله) أحد أهم أعلام الحركة الثقافية و السياسية في سورية و الوطن العربي، فهو باحث و مترجم و أستاذ و رجل سياسة أيضاً.

حياته:
ولد الدكتور المرحوم سامي الدروبي في مدينة حمص عام 1921، و بعد نيله الشهادة الثانوية تابع دراسته في تجهيز دمشق و مارس التعليم الابتدائي في مدارس الجولان، ثم التعليم العالي في جامعة دمشق، و قد عاش حياته متنقلاً بين العمل التربوي و العمل السياسي، ففي عام 1959 أوفد إلى جمهورية مصر العربية كمدير في وزارة الثقافة في عهد الوحدة ثم عمل مستشاراً ثقافياً للجمهورية العربية المتحدة في البرازيل لكنه عاد إلى دمشق بعد الانفصال حيث    عين وزيراً للتربية بعد ثورة الثامن من آذار المجيدة عام 1963. كما عمل الراحل في السلك الدبلوماسي و كان مندوباً دائماً لسورية في الجامعة العربية و مثل سورية في العديد من الدول العربية و الأجنبية كمصر و المملكة المغربية و يوغوسلافيا و الفاتيكان و أسبانيا. و كانت له مواقفه القومية التي لا تنسى فهو "من جيل أيقظ القومية العربية من بطون الكتب لتكون واقعاً في الناس..". و من مواقفه يوم قدم أوراق اعتماده لسوريا بعد الانفصال للزعيم المصري الراحل (جمال عبد الناصر) أنه ارتجل كلمة مؤثرة و بليغة في صوت متهدج تخنقه العبرات قال فيها: ".. إنه ليحز في نفسي أن تكون وقفتي هذه كأجنبي كأنني ما كنت في يوم مجيد من أيام الشموخ مواطناً في جمهورية أنت رئيسها...".
فرد الرئيس عبد الناصر على تلك الكلمة قائلاً:
.. يسعدني أن أستقبلكم في الجمهورية العربية المتحدة لا كأجنبي و لكنني أستقبلكم كابن من أبناء الأمة العربية التي هي أمة واحدة.. فتلك حقيقة تاريخية واقعة..".
و قد كان ذلك المشهد مؤثراً و أفاض الجميع بالحديث عنه في    الصحف و المجلات التي صدرت حينها.. فتحت عنوان (سامي الدروبي ثائر أو دبلوماسي) كتبت مجلة آخر ساعة:
".. مدى علمنا أن تاريخ الدبلوماسية لم يسجل موقفاً كموقف الدكتور سامي الدروبي. و مدى علمنا أيضاً أن المواقف و الأعمال الأصيلة تحدث دائماً و لا تتكرر و لكن الدقة و الأمانة أمام التاريخ و الناس تحتم الإشارة إلى أن الدكتور سامي الدروبي لا يمكن اعتباره في القاهرة دبلوماسياً بالمعنى التقليدي المتعارف عليه في العالم لأن ما بين مصر و سورية ليس ما يمكن تصنيفه تحت عنوان: علاقات دبلوماسية طيبة أو سيئة أو عادية أو ممتازة..".

آثاره في التأليف و الترجمة
كان سامي الدروبي يعي الأهمية الكبرى للترجمة و دورها العظيم في بناء الحضارة الإنسانية فكان وحده "مؤسسة كاملة من مؤسسات الترجمة في الوطن العربي" و قد ترجم الدروبي عدداً كبيراً من روائع الأدب العالمي. و بذل في هذا المجال جهداً فردياً كبيراً هادفاً إلى تثقيف العقل العربي و رفع مستواه. و كان يطمح إلى إنشاء معاهد متخصصة في الترجمة لفتح    الباب أمام الباحثين العرب للاتصال بحركة الثقافة العالمية اتصالاً دائماً، و قد امتزت ترجماته بالدقة البالغة و الإتقان و العمق و القوة و الإبداع. و قد تعرف مثقفو الوطن العربي عن طريقه على أعمدة الأدب الروسي مثل تولستوي و ديستوفسكي. فسامي الدروبي كما قال عنه الأستاذ سعيد حورانية "لم يكن مترجماً ممتازاً من الدرجة الأولى فحسب و إنما كان إلى جانب ذلك إنساناً عظيماً حي الضمير يحترم نفسه و قراءه..".
و لعل أهم آثاره في هذا الإطار ترجمة الأعمال الكاملة لديستوفسكي و التي بلغت ثمانية عشر مجلداً و تتراوح عدد صفحات المجلد الواحد بين 700-800 ص و قد طبع هذا العمل الأدبي الكبير في وزارة الثقافة المصرية و لاقي إعجاباً كبيراً في أوساط المثقفين العرب لصياغته الأدبية الرفيعة التي حاول فيها الدروبي إظهار فكر المؤلف و الولوج إلى أعماقه بدقة شديدة,, و حول هذا العمل الأدبي الكبير كتب الأستاذ (أحمد بهاء الدين): "... ها قد ظهرت في السوق لعملاق القصة ديستوفسكي ترجمة ممتازة و نهائية فهي أحسن ما قرأت لأن    المترجم يملك ناصية اللغتين الفرنسية و العربية و هو يترجم ترجمة عملية مدروسة، فوق الحس الأدبي و الفني الملائم لها..".
و من الجدير بالذكر أن سامي الدروبي قد ترجم الأعمال الكاملة لتولستوي في أربعة مجلدات و عدد صفحات المجلد الواحد 1000 صفحة، و عندما وافته المنية كان قد انتهى من ترجمة 960 صفحة من الجزء الثاني من رواية (الحرب و السلام) لتولستوي و ظلت أربعون صفحة لتنتهي ترجمة هذا العمل الأدبي الهام. كما ترجم بعض الأعمال الفلسفية لكل من الفرنسيين (جان غوايو) و (هنري برغسون) و الإيطالي (كروتشة). و ترجم رواية اليوغسلافي ايفو اندرتيش(جسر على نهر الدنيا) الفائز بجائزة نوبل للآداب. و من ترجماته الهامة أيضاً:
1)    علم النفس التجريبي (روبرت ودوث).
2)    تفكير كارل ماركس (جان إيف كلافيز).
3)    مياه الربيع (للروسي تورغييف)
4)    بطل من زماننا (للروسي ليرمانتوف).
5)    ابنة الضابط (للروسي الكسندر بوشكين).
و في مجال التأليف ترك عدداً من الكتب الهامة في الترجمة و علم النفس و هي:
1)    علم النفس و الأدب.
2)    علم الطباعة.
3)    علم النفس و التربية.

وفاته:
في أواخر عام 1975 طلب الدروبي إعادته إلى دمشق حيث كان يعمل سفيراً لسورية في أسبانيا، و ذلك بعد تردي حالته الصحية و بقي سفيراً في وزارة الخارجية و ظل مواظباً بدأب و نشاط على إنجاز مشاريعه الأدبية حتى آخر لحظة من حياته على الرغم من ظروفه الصحية القاسية. و قد كان الرئيس الخالد حافظ الأسد طيلة فترة مرضه مواسياً و مشجعاً له. و في الثاني عشر من شهر شباط 1976 رحل سامي الدروبي بعد حياة حافلة بالجد و المثابرة و العطاء، و قد كرم الراحل الكبير فسميت قاعة محاضرات باسمه في المركز الثقافي بمدينة حمص و أخرى في كلية التربية بدمشق.

آخر تحديث ( السبت, 02 كانون الثاني 2010 15:59 )